أخبار عربية وعالمية
من القاهرة إلى كوالالمبور.. تنظيم الإخوان لا يزال يبحث عن موطئ قدم
في مايو/أيار عام 2012 كان تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر يستجمع قواه ويدعو حلفاءه لتقديم الدعم والمساندة في انتخابات الرئاسية المصرية التي شارك فيها للمرة الأولى. قمة كوالالمبور والزعامات الوهمية للعالم الإسلاميفشل قمة كوالالمبور.. لم يكن فشلا عاديا وفي الوقت الذي كان حلفاء الإخوان في الداخل والخارج يستنزفون المؤسسات المصرية بالعمليات الإرهابية، كان مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي يجلس إلى جوار خيرت الشاطر نائب المرشد الأول للتنظيم الإرهابي، في أحد الفنادق الكبرى بحي مصر الجديدة (شرق القاهرة). وحاول مهاتير محمد خلال زيارته إلى القاهرة تبييض وجه التنظيم الإرهابي، باستعراض تجربة بلاده الاقتصادية باعتبارها تجربة إخوانية، واعدًا المصريين بالرخاء والتقدم والازدهار حال وصول الإخوان للحكم. وخطط "الإخوان" أن يكون رئيس الوزراء الماليزي "قلادة الحظ" الملهم لمشروع "النهضة" الإخواني في مصر، لكن الثورة الشعبية المليونية التي خرجت ضد حكم الإخوان بعد شهور أطاحت بالحلم ودمرت المخططات السياسية والاقتصادية للتنظيم الإرهابي. مهاتير محمد لم ينجح في إقناع المصريين بمشروع الإخوان الاقتصادي، كما لم ينجح أباطرة التنظيم المكلفون بالملف وفي مقدمتهم خيرت الشاطر وحسن مالك من تنفيذ المخطط الإخواني لضرب الاقتصاد المصري لصالح توسيع دائرة الاقتصاد الإخواني. ومن القاهرة إلى كوالالمبور ما زال التنظيم الإرهابي يحاول البحث عن موطئ قدم لتنفيذ مخطط مشبوه يستهدف خراب البلاد وتقسيم المنطقة. رسم خريطة جديدة للإخوان في العاصمة الماليزية كوالالمبور، عقدت قمة رباعية، الثلاثاء الماضي، دعا إليها مهاتير محمد وحضرها كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، أسماها المراقبون "قمة الضرار". القمة التي أحيطت بكثير من الغموض وحاول التنظيم جاهدا تغليفها بشعارات إسلامية وهمية، لم يكن فهم أهدافها سهلا إلا بوضعها في سياق المخطط الإخواني الذي تحاول الدول الأربعة إعادة تنفذيه في المنطقة. ويرى الباحث المتخصص بشؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد أن ما أعلن من القمة الإخوانية لا يمثل 5% من أهدافها الحقيقية، التي تتبلور جميعها في محاولة إحياء الاقتصاد الإخواني كمدخل جوهري لعودة الروح إلى التنظيم المنهار. وقال "أبوالسعد" لـ"العين الإخبارية" إن الأخطر بشأن الاجتماع لم يعلن بعد، مؤكدًا أن هناك بنودا سرية وهناك أجندة، وجدول أعمال قادما لما سيكون عليه الإخوان خلال العقد المقبل. وأوضح "أبوالسعد" أن تركيا وقطر وإيران تؤسس لمحور دول راعية للإسلام السياسي، فقد عد البعض اجتماع كوالالمبور واجهة لإعادة تدوير تنظيم الإخوان، ومنحه مسحة شرعية بعد الرصيد الكبير الذي فقدته، ربما استعداداً للقيام بدور آخر يراعي المعطيات الدولية الجديدة. وبعد التواصل مع عدة مصادر داخل مصر وخارجها على صلة وثيقة بتنظيم الإخوان، تمكنت "العين الإخبارية" من رسم ملامح الاتفاق السري بين مربع الشر الإخواني. اتفقت المصادر على أن الاجتماع ناقش إعادة هيكلة خريطة الأولويات داخل التنظيم، بوضع الاقتصاد كمحور أساسي لعودة الإخوان للمشهد السياسي في البلاد العربية. وأكدوا أن الاجتماع تزامن مع دعم خريطة جديدة للتحالفات الإخوانية تعتمد على الاقتصاد بعيدًا عن الأيديولوجيا، بالدمج مع شركات متعددة الجنسيات والتوسع في مجالات تجارية جديدة لم تكن داخل محيط الاقتصاد الإخواني. كما ركز الاجتماع على آليات إيجاد غطاء لدعم العمليات الإرهابية والحركات المشبوهة التي تسعى لإثارة التوترات بالمنطقة العربية لخدمة مصالح التنظيم الإرهابي. الاجتماع ناقش أيضا إيجاد مسارات آمنة للمال الإخواني بعيدًا عن الرقابة والملاحقة الأمنية في مصر والسودان وبعض الدول الخليجية. ويقول مصدر مصري مقيم بتركيا، إن التنظيم يسعى لتدشين تحالف اقتصادي يضم الدول الأربع، اعتمادًا على المقومات الجغرافية والموارد التي تمتلكها كل دولة. عودة الأسد العجوز لم تستطع ماليزيا بعد سقوط الإخوان عن حكم مصر في عام 2013 أن تخفي الوجه القبيح الداعم للتنظيم الإرهابي، فخرجت حكومة نجيب رزاق رافضة الثورة الشعبية بمصر، ودعت منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة ما أسمته بالأزمة المصرية في مسعى واضح لتدويل القضية. وبالرغم من أن رزاق لا ينتمي للتيار الإسلامي إلا أن هذا التوقيت كان يشهد تحالفًا غير معلن مع الحزب الإسلامي الماليزي برئاسة عبدالهادي أوانج بعد تراجع شعبية الأول بشكل كبير بسبب قضايا فساد. أما "مهاتير" الذي تبنى سياسة الهجوم الإخوانية المعروفة على النظام المصري، فحاول البحث عن شرعية جديدة للإخوان بدعوة قيادات التنظيم وبرلمانهم الموازي إلى منتدى كوالالمبور كممثلين لمصر. وكان على رأس الوفد الإخواني المشارك في المنتدى عمرو دراج رئيس المكتب السياسي للإخوان، وجمال حشمت رئيس البرلمان الإخواني الموازي حينها. وفي مايو/أيار 2018 عاد الإخواني التسعيني "الأسد العجوز"، مهاتير محمد إلى رئاسة الوزراء، بعد 22 عاما من اعتزال العمل السياسي، بناء على طلب من التنظيم الدولي للإخوان، الذي علق آمالا كبيرة عليه لعودة الروح للجماعة المأزومة. مهاتير محمد عاد لتنفيذ مخطط وضعه التنظيم الدولي لإحياء الجماعة يعتمد على إعادة تدويل الاقتصاد الإخواني، في ظل تضييق دولي وملاحقة مستمرة لأموال الإرهابية، المخطط الذي أعلن التنظيم نفسه عن جزء منه بتصريحات لقياداتها نُشرت على مواقع موالية لها، وصفته بأنه فارس الاقتصاد الإخواني الذي عاد لإحياء النهضة المهزومة. حافظة استثمارات التنظيم ولم تستطع ماليزيا استقبال أعضاء تنظيم الإخوان الفارين من البلاد العربية بعد الثورات وصدور الأحكام القضائية ضدهم، وخصوصًا إخوان مصر، ويرجع مراقبون الأمر لأسباب أمنية وسياسية تتعلق بطبيعة البلد، لكنها نجحت بشكل كبير في أن تتحول لحافظة أموال ضخمة لتنظيم الإخوان، بعيدًا عن الملاحقات الأمنية والمراقبة الدولية. وجاءت ماليزيا بمقدمة الدول التي لجأ الإخوان إليها لتحويل مبالغ مالية ضخمة بعد ثورة 30 يونيو/حزيران 2013، وفقًا لما كشفت عنه التحقيقات مع المتهمين من عناصر التنظيم في قضية الإضرار بالاقتصاد المصري. ويقول سامح عيد الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، المنشق عن الإخوان، إن ماليزيا استقبلت رجال الأعمال المنتمين لتنظيم الإخوان من الصف الثالث وهم شخصيات غير معروفة إعلاميا ويعمل معظمهم بالتجارة الحرة. وأوضح "عيد" لـ"العين الإخبارية" أن التنظيم اتخذ من ماليزيا أرضا آمنة لتوسيع الاستثمارات بعيدًا عن الملاحقة الأمنية، مشيرًا إلى أن مهاتير محمد عرض استضافة رجال الأعمال الإخوان بعد ثورة مصر، شريطة ألا يكونوا مطلوبين لدى الجهات الأمنية، حتى لا يعرض بلاده لمشاكل اقتصادية مع الدول الأخرى. ويصعب تقدير حجم استثمارات الإخوان في ماليزيا بشكل دقيق، حيث يقول "عيد" إن التنظيم استثمر مليارات الدولارات في التجارة الحرة في منطقة شرق آسيا، وتحديدا ماليزيا منذ تسعينيات القرن الماضي، زادت بشكل كبير بعد الانهيار الذي شهدته على مدار السنوات القليلة الماضية. ماليزيا التي شكلت على مدار العقود الماضية حافظة التنظيم الإرهابي والأرض الخصبة لنمو استثماراته تعود للمشهد من جديد كمركز لإعادة الخريطة الإخوانية ببناء إمبراطورية اقتصادية ضخمة تحمي مصالح التنظيم وتدافع عنها في ظل انهيار غير مسبوق.