اليمن: فرصة أخيرة أم الفرصة الأخيرة؟
يبدو أن الملف اليمني بات على مفترق طرق بالفعل بين سلام يشبه السلامات اليمنية التي تشبه الحروب المؤجلة أو حرب لا تشبه تلك الحروب التي ألفناها خلال سبع سنوات، وفي كلا الحالتين فقد تم إهدار فرص ثمينة كانت كفيلة بهزيمة المشروع الإيراني في اليمن أو دفعه في أسوأ الحالات نحو سلام لا تكون يده هي العليا فيه.
وفي قراءة مجريات الملف اليمني ومساراته المتسارعة والمتشابكة في آن، لا يمكن التكهن حتى الآن بمآلات هذا الملف الشائك، حيث تمتزج دعوات السلام بقذائف الحوثي وطائراته المسيّرة، وهو المشهد الذي طغى قبل أن تعلن الأمم المتحدة فجأة ودون مقدمات عن هدنة وافق الحوثيون عليها وكذلك فعلت الحكومة اليمنية، فيما رحب التحالف العربي والمجتمع الدولي بهذه الهدنة التي أتبعها الحوثيون بزخات من التصريحات المستفزة التي لا تنتمي للسلام، وبزخات أخرى من القذائف التي اخترقت صمت الهدنة المعلنة قبل أن تبدأ أصلا، في سلوك حوثي مألوف ومتوقع.
ومن يعرف تاريخ الخروقات الحوثية تجاه الهدن والاتفاقات لا يراهن كثيرا على موقف هذه الجماعة من أي اتفاق مبرم، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تحولات جرت وتجري بصمت وربما تكون هذه التحولات أصداء مبكرة لحوارات بين الكبار الإقليميين لكنها لم تنضج بعد، وقد يكون ما يعتمل في المشهد اليمني إقليميا ودوليا خلال هذه الفترة مجرد إرهاصات لمشاورات بين اللاعبين الدوليين والإقليميين الكبار، ويتصدر هذه المشاورات بطبيعة الحال الملف اليمني كواحد من أوراق طهران الرابحة على طاولة البوكر الدولية.
وليس ببعيد عن التفاعلات الدولية إزاء الملف اليمني المشاورات اليمنية التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض، بدعوة من مجلس التعاون الخليجي، والتي تكتسب أهمية خاصة من ناحية الجهة التي دعت إليها، وكذلك من جهة التوقيت بالغ الحساسية الذي يمر به الملف اليمني.
ولا يمكن التقليل من أهمية وفاعليته تلك المشاورات على الرغم من سعي بعض الأطراف لوصفها بالمشاورات الأحادية بين أطراف متشابهة في عدائها للحوثي، الذي قاطع تلك المشاورات كما كان متوقعا، حيث أن معسكر المناوئين للمشروع الإيراني في اليمن كان في أمسّ الحاجة لمثل هذا الحوار الداخلي، الذي يأتي امتدادا لتجربتين سابقتين ناجحتين جزئيا على الأقل، الأولى كانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي نزعت فتيل حرب أهلية يمنية في العام 2011، والتجربة الأخرى كانت اتفاق الرياض المبرم في العام 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي أوقف عجلة صراع مشتعل كاد أن يحرق خيمة المناهضين للحوثي وحصاد حقولهم.
وبقدر ما تبدو مشاورات الرياض فرصة أخيرة للحوثيين، بالنظر لدور هذه المشاورات على الأرجح في تثبيت ودعم جهود وقف إطلاق النار في اليمن وتحويل هدنة الشهرين إلى هدنة دائمة، فإن تلك المشاورات على الأرجح الفرصة الأخيرة للشرعية اليمنية لإعادة النظر في كثير من الأخطاء والإخفاقات، التي لازمت مسيرة سبع سنوات من الحرب، وإجراء مراجعة شاملة للأداء السياسي والاقتصادي والعسكري، بحيث تفضي مخرجات تلك المشاورات لإخراج شرعية قوية قادرة على مواجهة تحديات الحرب أو استحقاقات السلام، أما الخيار الآخر دون ذلك فهو القفز على عتبة المعيقات اليمنية وإنتاج واقع جديد يلبي احتياجات الإقليم وأمنه الاستراتيجي بعيدا عن تعقيدات الداخل اليمني وإفرازاته السياسية وإخفاقاته العسكرية.