من ماليزيا إلى ليبيا.. أردوغان يبحث عن انتصارات وهمية للتغطية على فشله الداخلي

الجنوب بوست/متابعات


إجراءات خارجية عديدة لجأ إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في محاولة للبحث عن انتصارات وهمية، لمواجهة فشل داخلي متواصل على مختلف الأصعدة خصوصا خلال عام 2019. 

الفشل الأردوغاني بدأ بخسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه المدن الكبرى، ولا سيما في إسطنبول وأنقرة في الانتخابات البلدية التي جرت في الـ31 من مارس/‏آذار 2019.

ثم تعمق الفشل بانشقاقات متتالية عن صفوف الحزب واستقالات بالجملة من عضويته، واتساع نطاق المعارضة لسياساته، وتزايد الوضع المأزوم للاقتصاد التركي. 

من أبرز تلك الإجراءات الخارجية، كان قرار التدخل العسكري شمالي شرق سوريا أكتوبر الماضي، ثم مشاركته في قمة كوالالمبور قبل أيام بحثا عن زعامة وهمية للعالم الإسلامي.

وقبل ذلك توقيعه مذكرتي تفاهم مع رئيس ما يسمى حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، ثم السفر إلى تونس الأربعاء في محاولة ضمها إلى جانبه في تدخلاته المرفوضة إقليميا ودوليا في ليبيا.

لجأ أردوغان لتلك الإجراءات في محاولة للتغطية على فشله الداخلي من جانب، ومن جانب آخر بحثا عن انتصارات وهمية، يحاول بها عبثا إيقاف التآكل المتواصل لشعبية حزبه ونزيف خسائره المتواصل.

لكن السحر انقلب على الساحر، وتحولت جميع تلك الإجراءات إلى ضده، وامتد فشله الداخلي إلى نطاق خارجي، خصوصا مع فشل قمة كوالالمبور وتصاعد الرفض الإقليمي والدولي لتدخل أردوغان في ليبيا.

وتزامن ذلك مع قيام 3 دول بنفي وتكذيب تصريحات أدلى بها أردوغان خلال الأيام القليلة الماضية، هي السعودية وتونس والسودان. 

 فشل ذريع.. وهزائم متلاحقة 

تعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم لأكبر انتكاسة في تاريخه، خلال الانتخابات البلدية التي شهدتها تركيا 31 مارس/آذار الماضي، مع خسارته أكبر 3 مدن رئيسية، هي أزمير وأنقرة وإسطنبول.

وتشكل خسارة أهم مدينتين (أنقرة وإسطنبول) في البلاد هزيمة مدوية لأردوغان، الذي كان هو نفسه رئيس بلدية إسطنبول، والذي حظي بقدرة لا مثيل لها في تاريخ تركيا على الفوز بشكل متكرر في الانتخابات.

وكان الاقتراع بمثابة استفتاء على حكم حزب العدالة والتنمية، بعدما تباطأ الاقتصاد التركي لأول مرة منذ عقد.

الخسارة التي مني بها أردوغان وحزبه في الانتخابات البلدية تضاعفت بعد هزيمته مجددا في الانتخابات نفسها، وتلقينه درسا قاسيا من أهل إسطنبول، الذين انحازوا لأكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب المعارض.

وكان إمام أوغلو فاز برئاسة بلدية إسطنبول في الجولة الأولى من الانتخابات المحلية التركية التي جرت يوم 31 مارس/آذار الماضي، قبل إلغاء اللجنة العليا للانتخابات نتائج الاقتراع وإعادتها في 23 يونيو/حزيران، بعد أن زعم أردوغان تزويرها، لتأتي نتيجة جولة الإعادة كالصاعقة على أردوغان، بعد اكتساح إمام أوغلو منافسه بن علي يلدريم مرشح حزب أردوغان. 

وقد شكّلت خسارة العدالة والتنمية لإسطنبول البالغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، وتمثل القلب الاقتصادي لتركيا، ضربة موجعة للرئيس التركي، خاصة أن الحزب أزيح عن المنصب بعد سيطرة دامت 25 عاما، بدأها أردوغان رئيسا للبلدية في التسعينيات، وكانت بوابته نحو كرسي الرئاسة التركية، لكن يبدو أن معارضه أكرم إمام أوغلو الفائز بعمدية إسطنبول يسلك الطريق نفسه. 

وبعد أسبوعين من الإعلان عن فوز إمام أوغلو مجددا، تلقى أردوغان الصفعة الثانية بإعلان النائب الأسبق لرئيس الوزراء علي باباجان استقالته من حزب العدالة والتنمية، معلنا اعتزامه تأسيس حزب جديد. 

وبعدها بشهرين، أعلن رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو استقالته من حزب العدالة والتنمية، في 13 سبتمبر/أيلول. 

وعلل استقالته حينها بأن "الحزب لم يعد قادرا على حل مشاكل تركيا، ولم يعد مسموحا بالحوار الداخلي فيه". 

وشغل داود أوغلو (60 عاما) منصب رئيس الوزراء التركي بين عامي 2014 و2016 قبل أن يختلف مع أردوغان. 

ووجه هذا العام انتقادات حادة لأردوغان والإدارة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية، واتهمهما بتقويض الحريات الأساسية وحرية الرأي. 

وتأتي هذه الانشقاقات المتتالية اعتراضا على سياسات أردوغان التي أدخلت البلاد في نفق مظلم. 

جاءت كل هذه التطورات في وقت يفقد فيه "العدالة والتنمية" كل يوم مؤسسيه وقاعدته الشعبية منذ فشله في الانتخابات البلدية. 

وانخفض عدد أعضاء الحزب خلال عام واحد، بمقدار 788 ألفا و131 عضوا، حسب ما أعلنته المحكمة العليا في 1 يوليو/تموز الماضي، إذ سجل عددهم 9 ملايين و931 ألفا و103 أعضاء، بعد أن كانوا 10 ملايين و719 ألفا و234 عضوا. 

وخلال الشهرين الأخيرين الممتدين من 1 يوليو حتى 9 سبتمبر/أيلول الماضي انخفض أعضاء الحزب كذلك بمقدار 56 ألف شخص، ما شكل حالة كبيرة من الذعر في أروقة العدالة والتنمية دفعته للبحث عن حلول وصيغ لوقف هذا الانهيار. 

وفي 13 ديسمبر الجاري، أعلن رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو تأسيس حزبه الجديد "المستقبل"، فيما كشف باباجان خلال لقاء تلفزيوني مؤخرا أن الإعلان عن حزبه الجديد سيكون في مطلع عام 2020 المقبل، أي في يناير/كانون الثاني المقبل.

انتخابات مبكرة في الأفق

وفي تلك الأجواء بدأت تتعالى الأصوات خلال الآونة الأخيرة بعقد انتخابات مبكرة، على خلفية الأوضاع المضطربة بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد منذ فترة، وتداعياتها المختلفة. 

وتشهد تركيا أزمة اقتصادية طاحنة تتزايد يوما تلو الآخر، وسط فشل نظام أردوغان في إيجاد حلول لها، إذ وصلت إلى مستوى خطير من ارتفاع معدلات البطالة، وتواصل نزيف العملة التركية مقابل العملات الأجنبية. 

ويرى خبراء واقتصاديون أتراك أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الارتفاع في أسعار المنتجات والسلع المختلفة، سواء في القطاع الخاص أو العام، مرجعين ذلك إلى ارتفاع نفقات الإنتاج وازدياد عجز الموازنة. 

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال تمل قره ملا أوغلو، رئيس حزب "السعادة" المعارض، إن هناك احتمالا كبيرا لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في بلاده، مرجعا ذلك إلى الاضطرابات والأوضاع الاقتصادية السيئة. 

البيان الذي نشره الحزب بعد اجتماع طارئ له، دعا كذلك إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، قائلا "نريد إجراء انتخابات نيابية مبكرة للخلاص من قبضة (حزبي) تحالف العدالة والتنمية (الحاكم)، والحركة القومية (المعارض)، هذه دعوة التحدي، وعلى المعارضة بأكملها أن تتحد وتتحرك لدعم هذا المطلب". 

ونهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو أنه وجه المسؤولين والقيادات في حزبه، الشعب الجمهوري، بضرورة أن يكونوا على أهبة الاستعداد مع تزايد احتمالات عقد انتخابات مبكرة. 

رحلة الانتصارات الوهمية.. وفشل جديد 
في مواجهة تلك الإخفاقات المتواصلة وتراجع شعبية الحزب الحاكم وانهيار الاقتصاد لجأ أردوغان إلى مجموعة من الإجراءات الخارجية، بحثا عن انتصارات وهمية ولصرف الأتراك عن فشله الداخلي، وعلى رأسها عملية ما سمي بـ"نبع السلام" ضد أكراد شمال سوريا. 

شنت القوات التركية، شهر أكتوبر الماضي، هجوما عسكريا على شمالي سوريا، وسط انتقادات ومخاوف دولية من أن يتسبب الاعتداء في إعادة إحياء تنظيم داعش الإرهابي الذي دُحر مطلع العام الجاري على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي. 

وبعدما يزيد على أسبوع من العدوان توصلت واشنطن وأنقرة إلى قرار وقف إطلاق نار مؤقت في شمالي سوريا، وإيقاف العملية العسكرية التركية لضمان انسحاب آمن لقوات سوريا الديمقراطية. 

وسيطرت تركيا والفصائل الموالية لها على مناطق كانت تحت سيطرة الأكراد، على منطقة بطول 120 كلم على الحدود منذ بدء عمليتها العسكرية على شمال سوريا، الأمر الذي تسبب بمقتل المئات ونزوح 300 ألف شخص. 

وقوبل الهجوم التركي بعاصفة من الإدانات الإقليمية والدولية، وأوقفت العديد من الدول الأوروبية تصدير الأسلحة إلى تركيا، على خلفية الهجوم الذي أدى إلى فرار العديد من عناصر تنظيم داعش الإرهابي من مخيمات المنطقة. 

ومع فشل أردوغان في سوريا بدأ يعبث في الملف الليبي، فوقّع في ٢٨ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع فايز السراج رئيس ما يعرف بحكومة الوفاق الليبية مذكرتي تفاهم غير شرعيتين أقرهما برلمان أنقرة في مجالي البحرية والأمن، ما يمنح تركيا غطاء لإرسال جنودها ومعداتها العسكرية والسلاح إلى ليبيا، في خرق واضح للقرارات الأممية التي تحظر ضخ السلاح إلى ليبيا. 

وهي خطوة من شأنها تجديد النزاع حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وضمان أنقرة الحصول على حصة من الموارد البترولية، غير أنها تمثل انتهاكا للقانون البحري الدولي. 

وجاء التوقيع لتحقيق مصالح متبادلة للطرفين، فحكومة السراج كانت تريد الدعم السياسي والعسكري التركي في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي قطع شوطا معتبرا باتجاه تحرير العاصمة، وبالفعل أعلنت تركيا أكثر من مرة استعدادها لإرسال قوات إلى ليبيا.

ويخوض الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية في العاصمة طرابلس منذ أبريل/نيسان الماضي لتطهير العاصمة من المليشيات المدعومة من حكومة فايز السراج. 

وفي المقابل أنقرة كانت تسعى للحصول على دعم طرابلس لاغتصاب المنطقة الاقتصادية اليونانية، حيث تتيح تلك الاتفاقية غير الشرعية بين تركيا وحكومة السراج تتيح لأنقرة المطالبة بحقوق على مساحات واسعة في شرق البحر المتوسط غنية بالغاز، بينما يفرض الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على تركيا لحفرها في المياه القبرصية. 

  كما تخطط السلطات التركية لمنع اليونان من التنقيب في جزيرة كريت، وهو ما يعد مخالفة صريحة للقانون البحار الدولي. 

وفي مواجهة الرفض الدولي الوسع لتلك الاتفاقات، جاءت الزيارة المفاجئة للرئيس التركي إلى تونس الأربعاء الماضي، في محاولة لإقحامها في الأزمة الليبية. 

وزعم الرئيس التركي، في تصريحات له، أنه تم التوصل إلى اتفاق بين أنقرة وتونس يقتضي تقديم الدعم اللازم إلى ليبيا من أجل استقرارها، وهو ما نفته الرئاسة التونسية جملة وتفصيلا.

واستهجنت الرئاسة التونسية، الخميس، تصريحات الرئيس التركي حول انضمامها لحلف تركي في ليبيا، مؤكدة حيادها في هذا الملف، حسب وسائل إعلام محلية.

بدورها، كذبت القوات المسلحة السودانية تصريحات أردوغان، الذي ادعى فيها وجود مرتزقة سودانيين يحاربون مع الجيش الليبي في طرابلس. 

وكان أردوغان زعم خلال زيارته إلى تونس، الأربعاء، أن "هناك 5 آلاف مقاتل سوداني وألفين من الروس يقاتلون في ليبيا".

وعلى وقع التدخل التركي في ليبيا رفض كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، إرسال بلاده جنوداً إلى ليبيا، وطالب الحكومة التركية بأخذ العبرة مما حدث في الأزمة السورية.

وقال كيليتشدار "إذا أرادت تركيا ألا تخسر في السياسية الخارجية وأرادت أن تكسب، أولا لا بد أن يتخلى أردوغان عن جماعة الإخوان"، مؤكدا أن انتماء أردوغان للجماعة يجعل تركيا تخسر كثيراً. 

حديث رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض عن فشل أردوغان في السياة الخارجية أكده تكذيب السودان وتونس لتصريحاته، وفشله في تحقيق أهدافه، هذا إلى جانب الرفض الدولي الواسع لمحاولات تدخله في ليبيا.

"زعيم إسلامي" فاشل

هذا الفشل يضاف إلى فشله أيضا في التسويق لنفسه كزعامة إسلامية سعى لحل مشاكل الأمة خلال قمة كوالالمبور.

وكانت ماليزيا دعت إلى لقاء خماسي لدول إسلامية، هي تركيا وقطر وإندونيسيا وباكستان، إلى جانب الدولة الداعية ومشاركة إيران، فيما بات يعرف بـ"قمة الفتنة"، خلال الفترة بين 18 إلى 21 من الشهر الجاري، لكن جاكرتا وإسلام آباد أعلنتا رفض الدعوة.

وبالفعل عقدت القمة وحضرها الرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد.

وفشلت قمة كوالالمبور قبل أن تبدأ، عندما ألغى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان حضوره القمة.

وتراجع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو عن الحضور، كما تعرضت القمة لانتقادات كثيرة لمحاولتها شق الصف الإسلامي وضرب جهود الدول الإسلامية مجتمعة، بقيادة السعودية، والتشكيك فيما تقوم به من جهود تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي. 

وأمام هذا الفشل، لجأ أردوغان كعادته لتعليق فشله على الآخرين، زاعما أن الرياض مارست ضغوطا على إسلام آباد من أجل مقاطعة القمة، وهو ما نفته السفارة السعودية لدى باكستان.

وأكدت السفارة توافق البلدين على أهمية منظمة التعاون الإسلامي والاحترام المتبادل لسيادتهما واستقلال قرارهما، وعدت ذلك سمة تميز العلاقات التاريخية الراسخة بينهما.