نوراء المطيري تكتب ...حلّ الدولتين في اليمن
لا يمكن أن يكون العالم هو نفسه بعد جائحة كورونا، إنسانياً وسياسيّاً واقتصاديّاً، حيث ستنقلب المعادلات والتحالفات على وقع إعادة التموضع الدولي الذي نشهده حاليّاً، فإنّ الوطن العربي، بعد جائحة الربيع المشؤوم، الذي قاده الإخوان المسلمون، قد تغيّر كثيراً، خاصة بعد أن تبيّن للعرب المؤامرة الكبرى التي تمّ تخطيطها في الدوحة لتحويل الاحتجاجات التي ظهرت في تونس، يوم وفاة محمد البوعزيزي وكذلك ثورة 25 يناير 2011 في مصر، لتحقيق مكاسب سياسيّة، باسم الإخوان، لصالح قطر وتركيا وكل من يقف خلفهما من المنظّمات الإرهابيّة. حلّ الدولتين
التغيير الحقيقي في الوطن العربي، بدأ بإخماد الرغبة القطريّة المتطرّفة، التي أنفقت المليارات على الإخوان في تونس ومصر واليمن والأردن وسوريا والسودان وليبيا، بإجراء جراحة عميقة للصنم الإخواني محمد مرسي على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو 2013، ونجاح الأردن في وأد الخبث الإخواني القطري، حين أشعلوا دوار الداخلية في عمان بالضجيج وسيطرة النظام على مخلّفات صراخهم في العامين 2011 و2012، ومحاولة إجراء جراحة أخرى في ليبيا على يد المشير خليفة حفتر، ما زالت قائمة. حلّ الدولتين
أما في اليمن، ولفهم ما يحدث اليوم، علينا أن نسأل أولاً: ما هو اليمن؟، وكيف ومتى تكوّنت الشرعيّة اليمنيّة الحاليّة؟، وما هي الدولة العميقة في الشرعية اليمنية؟، ولمن لا يعرف، فإنّ اليمن، ليس دولة واحدة في الأصل، إنّهما دولتين متجاورتين، الأولى هي اليمن الشمالي، التي كان يقودها علي عبدالله صالح، والثانية هي دولة الجنوب العربي أو ما كان يعرف باسم “جمهورية اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة”، التي كان يقودها علي سالم البيض آنذاك.
وبتاريخ 22 مايو 1990، وبدون فترة اختبار أو تدقيق، وبدون مراجعة سياسيّة واقتصاديّة وعسكريّة، تم توقيع اتّفاقيّة وحدة بين الدولتين، رُفضت فوراً من القبائل الشماليّة، بحجّة أنّ الجنوب اشتراكي، وكذلك رُفضت من الجنوبيين، ولكن، سبق السيف العذل، وتمّ اعتبار علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية اليمنيّة، والبيض نائباً له، وتمّ تقديم طلب للأمم المتّحدة، للاعتراف بالدولة الجديدة، التي تسمّى الجمهوريّة اليمنيّة، وتضمّن الطلب استخدام مصطلح “ذوبان الشخصيتين الاعتباريتين لدولتي الاتّحاد في شخصية اعتباريّه واحدة تسمى الجمهوريّة اليمنيّة”، فكان ردّ الأمم المتّحدة حينها: “بعد دراسة الطلب أولاً، القانون الدولي وأدبيّات المنظّمة لايقرّان مفهوم ذوبان الشخصيات الاعتباريّة للدول الأعضاء في الأسرة الدوليّة. ثانياً، إنّ دولتي الاتّحاد عضوان معترفان بهما في منظّمة الأمم المتّحدة، ويحوزان على مقعدين فيها، وإنّ ذلك الطلب لايتّصل ولا يتعلّق بآليّة قبول طلبات الدول الجديدة لعضوية المنظّمة”.
بالطبع، وبسبب هشاشة تلك الوحدة، والاختلاف الجذري الثقافي والحضاري والإنساني بين كل من المكونين الاجتماعيين للدولتين، وما عرف لاحقاً بأنّ صدّام حسين قد اتّفق مع علي عبد الله صالح بأن تصوّت الدولة الجديدة لصالح العراق في مجلس الأمن الدولي لغزو الكويت، لقاء تنازل الجنوب لصالح الشمال عن مقعد من المقعدين للأمم المتحدة، واشتعال الجنوب الرافض للوحدة، وظهور القائد عيدروس الزبيدي، في العام 1994 مطالباً بحقّ تقرير مصير الجنوب العربي، الذي يرأس المجلس الانتقالي الجنوبي الحالي.
اضطر علي عبدالله صالح إلى التحالف مع حزب التجمّع اليمني للإصلاح، الذي لجأ إلى العنف والاغتيالات على يد المجاهدين الممولين من أسامة بن لادن، العائدين للتوّ من أفغانستان، الذين ظنّوا، وما زالوا يظنّون، أنّهم يحاربون ماركس ولينين في الجنوب العربي، مثل الإرهابي عبد المجيد الزنداني، فتغاضى علي عبد الله صالح عن كلّ ذلك، وراح يطارد الجنوبيين الرافضين للوحدة، ويستميل منهم من يستميل، يخمد ثورات الجنوبيين، حتّى بدء الثورة عليه في 11 فبراير 2011 ومحاولة اغتياله، ثمّ توقيع “المبادرة الخليجية”، والتي نصّت على تسليم سلطاته للمشير عبد ربه منصور هادي في 25 فبراير 2012، ثم اغتياله صالح على يد الحوثيين، في 4 ديسمبر 2017.
الدولة العميقة في اليمن، قبل وبعد علي عبدالله صالح هي نفسها، لم تتغيّر، وسواء أكانوا مؤتمرين، من المؤتمر الشعبي العام أو إخوان من حزب التجمّع اليمني للإصلاح، فقد كانوا وما زالوا، مع رموز تمثّلهم، هم المسيطرون على مفاصل الدولة العميقة، مرّة باسم الوحدة الفاشلة، والتعلّق والتشبث في أوهامها، ومرّة باسم الدين والتديّن ومحاربة الشيوعيّة والاشتراكيّة التي انتهت منذ العام 1994، وكذلك تحشيد القاعدة وداعش ضدّ الجنوب العربي، بدلاً من محاربة الحوثيين، آملاً في إطالة أمد الحرب بما يخدم مصالحهم وأهدافهم.
بالطبع علينا أن لا ننسى أبداً، أنّ الحوثيين كانوا على الدوام يستثمرون في بقاء الوحدة بين الدولتين، حسب مخطّط إيران القديم، فقد أتاح ذلك لهم، أيام علي عبد الله صالح وبعدها، على اختراق منظومة هشّة والسيطرة عليها لاحقاً بانقلاب مخطط، حظي بالدعم الإيراني ودعم حزب الله وحماس والحشد الشعبي وكل المنظّمات الإرهابيّة، ثم حظي أيضاً، وبسبب تحالف إخوان اليمن مع الحوثيين خلال احتلال صنعاء، بالدعم التركي والقطري، فصاروا جميعاً، في لحظة واحدة، متّفقين على مسح دولة الجنوب العربي، التي كانت أوّل من تحرّر أراضيها من الحوثيين، والتي ما زال مقعدها في الأمم المتّحدة، شاغراً حتّى يومنا هذا.
وجهة نظري، أنّ الحل في اليمن، يرتكز على ثلاث نقاط أساسية: تفكيك الدولة العميقة في الشرعيّة اليمنيّة بتنفيذ اتّفاق الرياض رغماً عن الروافض، وتوحيد الشمال بإنهاء وجود الإخوان واعتبارها منظّمة إرهابيّة، ثم حلّ الدولتين الشماليّة والجنوبيّة، على أسس عادلة ومنصفة.