هجمات مليشيا الحوثي الإرهابية على الملاحة الدولية تتسبب بأزمة اقتصادية وإنسانية… من يدفع الثمن؟

تسببت الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي على أهداف في عرض البحر الأحمر بأزمة ملاحة دولية، ولكن تأثير هذه الأزمة انعكس على اقتصادات دول عربية، ناهيك عن مضاعفة المأساة الإنسانية داخل اليمن ذاته.

الباحث اليمني في الشؤون العسكرية والسياسية، العميد عبد الرحمن الربيعي قال لبرنامج "الحرة تتحرى" إن "الأضرار المترتبة على الأفعال التي يقومون بها، أُلحقت باليمن بدرجة أساسية، وأضرت به على المستويين التجاري والاقتصادي".


وأضاف أنه حاليا لم يعد من الممكن اعتبار اليمن دولة آمنة و"مياهها الإقليمية أصبحت خطرة.. وتشكل خطرا ليس على اليمن فقط، بل على الإقليم والعالم".


ويؤكد أمين عام المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، أرسينيو دومينغيز أن "الهجمات على الشحن الدولي لا تدعم إجراءات الأمم المتحدة لإنجاح عملية السلام داخل اليمن، فبتحويل مسار السفن بعيدا، يصبح الوصول إلى السواحل اليمنية أكثر صعوبة، بسبب انعدام الأمن، وتهديد السفن التجارية، المبحرة في المنطقة".


بشكل أساسي، يعتمد اليمن على الواردات لتلبية المتطلبات الغذائية لسكانه، حيث يستورد ما يقارب الـ 90 في المئة، من احتياجاته من الحبوب، وهي إمدادات ضرورية، صار وصولها إلى من يحتاجها، غير مضمون.


خبير الشؤون العسكرية الايرانية في معهد واشنطن، فريز نديمي يقول إن "هناك تقارير تفيد بأن الحوثيين يتلقون مكونات الصواريخ من إيران عبر ميناء الحديدة، داخل سفن إيرانية تجلب ظاهريا الغذاء والوقود".


مسؤول منظمة "مسلم هاندز" الإغاثية البريطانية، صالح قاسم سعيد يشرح أن "المساعدات تصل إلى اليمن بعدة طرق وتختلف بحسب طبيعة ونوع المساعدة، بعضها يمكن نقلها جوا، مثل المساعدات الطبية، والإمدادات الطبية، والأدوية، والمستلزمات".


وتابع بعض المساعدات "تحتاج إلى النقل البحري مثل المواد الغذائية والمحروقات هذه أكيد تتأثر. وهي أغلبها المواد الأساسية والاستهلاكية، ووجود المشاكل في البحر ووجود الإشكالات والصراع في البحر أثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على النازحين بشكل عام".


ووفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "لا يزال الوصول إلى الغذاء يشكل تحديا بسبب ارتفاع الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية للأسر. ومن المتوقع أن تقل واردات الحبوب خلال العام 2024 و2025 بنحو 6 في المئة عن متوسط الخمس سنوات، وأن يواجه ما يصل إلى 18 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان البلاد، انعدام الأمن الغذائي بحلول فبراير 2025".

على الأرض، ترجمت هذه المخاوف، إلى حقيقة، وفي مخيم السويداء للنازحين، شمالي مدينة مأرب، التقت قناة "الحرة" المواطن اليمني، عبده شايف، والذي أكد أن "كل الأساسيات شبه معدومة".


وقال إن "الطحين لا يشتريه الناس الا بالكيلو، وكذلك السكر والمواد الغذائية الرئيسية والأساسية. أما الأشياء التكميلية لا أساس لها لأن أوضاع الناس صعبة جدا"، مطالبا السلطات الرسمية والمنظمات المجتمعية بالتدخل العاجل لإنقاذ حياة الأسر وتأمين الغذاء.


وشايف هو أب لستة أطفال، نزح مع عائلته، من محافظة عمران عام 2014، بعد سيطرة حركة أنصار الله الحوثيين عليها.

وقال إن "الوضع أصبح مأساوي بعد أن سيطرت المليشيات الحوثية على البلاد، وتسبب في انهيار العملة وفي تهجير الناس وتسبب في الحروب، فأصبحت البلاد تعيش وضع مأساوي للغاية بسبب سيطرة المليشيات الحوثية".

وبعد أعوام من النزوح، عادت الجماعة الموالية لإيران والمصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية، لتضيف معاناة جديدة، إلى حياة اليمنيين.


المواطن اليمني، عبد الشايف راس علي قال إن "الأسر تضررت بعد هجمات البحر الأحمر، وانقطع الغذاء تماما عن الناس بسبب هذه الهجمات".


وطالب السلطات اليمنية بتوفير الغذاء في القريب العاجل، وأضاف "نحن لدينا معاناة في الغذاء أولا، في المأوى، في التعليم، في الماء. فكل الخدمات شبه معدومة".


منتصف يوليو عام 2024، شن الحوثيون هجوما بطائرة مسيرة على تل أبيب، وفي اليوم التالي، ردت اسرائيل بضربات جوية على ميناء الحديدة اليمني، ملحقة أضرارا تخطت قيمتها عشرين مليون دولار.


وقال الباحث الربيعي إن "الحوثيين ادعوا أنهم هم من أطلقوا هذه الطائرة المسيرة التي أصابت مواطنا إسرائيليا فقط، وبعض النوافذ في إحدى العمارات، ولكن كان الرد الإسرائيلي عنيفا وشديدا، ألحق أضرارا كبيرة في ميناء الحديدة، ومخزونات النفط والغاز التي كانت إلى جوار ميناء الحديدة".


الهجوم الحوثي على تل أبيب كان حلقة في سلسلة من هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، والتي بدأت في نوفمبر 2023 بدعم وتسليح إيراني، وبزعم مناصرة غزة.

الحوثيون وإيران استخدموا أيضا البروباغندا الدعائية بحسب الربيعي، و"طبعا هذا بإيعاز وتوجيه وتسليح ودعم إيراني، وهذا الكلام هو لأغراض الدعاية والكسب للرأي العام الداخلي والعربي ليس إلا. لكن إسرائيل لم تتضرر، ولم يستفد أهل غزة من كل ما قام به الحوثيون على الإطلاق في البحر الأحمر، تضرر العرب واليمنيون فقط".


ومنذ عام 2014 يعاني البلد، الذي كان يلقب بالسعيد، من ويلات حرب أهلية، تتواصل فصولها الدامية، وأسفرت بحسب تقارير أممية، عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.


وقالت دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن إن "نسبة الأفراد الذين يعانون من فقر متعدد الأبعاد في اليمن بلغت 82.7 في المئة، أي أن أكثر من ثمانية من كل عشرة أشخاص، في المناطق المشمولة بالمسح، كانوا يعانون من فقر متعدد الأبعاد، على مستويات التعليم، والصحة، وصحة الطفل والأم، والخدمات، ومستويات المعيشة، والتوظيف".


وقال مسؤول المنظمة الإغاثية البريطانية، قاسم سعيد إن "اليمن يمر بظرف عدم استقرار أمني وطالت فترة الحرب منذ عام 2014، نحن اليوم على مشارف نهاية العام 2024، وما زال اليمن يعاني بشكل كبير معتمدا على المساعدات الإنسانية، وهذه مشكلة".


وأضاف "تقريبا أكثر من 17 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة، أي شكل من أشكال المساعدة، في جانب الغذاء وفي جانب الحماية. أيضا الجانب الصحي، انتشار الأوبئة والأمراض، ضعف الأداء في المرافق الصحية. توقف بعض المرافق الصحية، عجز بعض المرافق الصحية عن التشغيل".


اعتداءات الحوثيين البحرية، لم تؤثر فقط على قوت اليمنيين، بل طالت سلاسل الغذاء، المتجهة إلى مناطق أخرى، تكابد أزمات طاحنة.


وأعرب برنامج الغذاء العالمي عن قلقه من أن تؤثر هذه الهجمات، على توريد الحبوب إلى السودان، ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام، فالحوثيون يشنون هجماتهم في المياه التي تبحر فيها عادة، سفن الحبوب المتجهة إلى هذه المناطق، بحسب دجون ستاوبرت، مسؤول في الغرفة الدولية للنقل البحري.


نهايات عام 2023 وبعد شهر من بدء هجمات الحوثيين على السفن الدولية، أعلنت كبرى شركات الشحن العالمية، تباعا، إيقاف حركة مرورها في البحر الأحمر.


ووفق تقرير لموقع "The Maritime executive" أعلنت "شركات MSC وCGM وCMA تعليق إبحارها في المنطقة. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب تحذيرات مماثلة من شركتي ميرسك وهاباغ لويد".


وأوضح ستاوبرت "تم تقليص حركة المرور عبر تلك المياه بنسب تتراوح بين 60 و70 في المئة بشكل عام، أما بالنسبة لسفن الشحن وناقلات النفط، فتم تقليص حوالي 60 في المئة من حركة المرور المعتادة".


قبل الأزمة، وضمن مسارها البحري، كانت هذه السفن تعبر مضيق باب المندب وصولا لقناة السويس، واحد من أهم شرايين التجارة العالمية.


وقال ستاوبرت "حوالي 10 في المئة من مجموع التجارة الدولية يمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ويتضمن ذلك، 40 في المئة من التجارة الآسيوية الأوروبية، وحوالي 20 في المئة من شحن الحاويات العالمي".

عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا، عالية المهدي قالت إن "كل البضائع والمنتجات القادمة من الصين وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ومن جنوب آسيا المتجهة ناحية أوروبا، لازم تمر عن طريق خليج عدن والبحر الأحمر وقناه السويس، متجهة إلى البحر المتوسط ودول أوروبا، وهذا أقصر طريق ممكن أي سفينة تأخذه حتى تصل لأوروبا".


وعلى مدى أكثر من قرن ونصف، شكل الممر الملاحي، طريقا حيويا، بطاقة وصلت عام 2023، لحوالي سبعين سفينة يوميا، وبعائدات للخزينة المصرية، تخطت تسعة مليارات دولار سنويا، لكن ذلك تغير بحلول خريف العام نفسه، مع بدء هجمات الحوثيين البحرية.


وقال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في تصريحات "قناة السويس تقريبا أكثر من 50 أو 60 في المئة من دخلها فقدناه، أي أكثر من 6 مليار دولار خلال 8 شهور ماضية".

وخلال العام المالي 2023 و2024 ووفقا لأرقام رسمية مصرية، انخفضت أعداد السفن المارة في قناة السويس بنسبة 23 في المئة، مقارنة بالعام السابق، ما أدى إلى تراجع الإيرادات، بما يقارب الربع.


وتقول المهدي إن الهجمات "قللت مرور السفن في قناة السويس، وهذا له تأثير سلبي على الاقتصاد المصري باعتبار أنها من مصادر الدخل المهمة بالعملة الأجنبية لمصر".


إضافة إلى الإضرار باقتصاد بلد عربي، أجبرت الهجمات الحوثية أكثر من ستة آلاف سفينة على تغيير مسارها المعتاد، والعودة إلى طرق الملاحة القديمة، والطويلة، عبر رأس الرجاء الصالح.


وأكد ستاوبرت أن حوالي "90 في المئة من سفن الحاويات التي كانت تمر عبر البحر الأحمر، صارت الآن تلتف حول رأس الرجاء الصالح، وهذا يمكن أن يضيف ما يصل إلى أسبوعين لزمن الرحلة، إنها حوالي تسعة آلاف ميل إضافية".


وأضاف "مقارنة بالإبحار مباشرة عبر قناة السويس، تزداد المخاطر البيئية والطقس عند استخدام هذا الطريق، لكنها تتضاءل مقارنة بالتعرض لهجوم من طائرة مسيرة، أو زورق انتحاري، أو صاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن".


ويشرح ستاوبرت أن هناك "مخاطر مرتفعة للإبحار حول رأس الرجاء الصالح، فالظروف الجوية أسوأ بشكل كبير، مقارنة بالمرور عبر قناة السويس والبحر المتوسط، شهدنا حوادث لفقدان حاويات.


وتشير التقارير لسقوط ما بين أربعين لتسعين حاوية من السفن التي تسلك هذا الطريق خلال الأسابيع الماضية، هذا إلى جانب مخاطر تتعلق بسلامة الإبحار، واحتمالية وقوع تصادمات بين السفن".


كل العوامل السابقة، تجمعت لتؤدي لزيادة ملحوظة في كلفة الشحن البحري الدولي، ووفقا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "ارتفعت أسعار نقل الحاويات من منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى أوروبا بشكل حاد منذ نوفمبر 2023 ولوحظ ارتفاع قياسي قدره 500 دولار في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2023 كما ارتفع متوسط أسعار شحن الحاويات من شنغهاي في أوائل فبراير 2024 بأكثر من الضعف. وازدادت الأسعار بين الميناء الصيني وأوروبا بأكثر من ثلاثة أضعاف".


وقال ستاوبرت إن "أقساط التأمين ارتفعت بشكل كبير بعد أن بدأ الحوثيون في مهاجمة السفن، فلجنة المخاطر التابعة لشركة لويدز للتأمين، والتي تشرف على المناطق ذات المشكلات المشابهة، تعلن مناطق معينة، مناطق صراع، حيث يتعين على السفن دفع أقساط تأمين إضافية، لذا تصاعدت أسعار الشحن بالفعل، وهناك مخاوف أن ترتفع أكثر، وبشكل أكثر حدة".


قائمة الأضرار التي تسبب فيها الحوثيون، لم تقتصر على فوضى ضربت خطوط الشحن البحري، بل امتدت لتشمل النظام البيئي، بحسب ستاوبرت إذ تم تسجيل حادثتين بارزتين، الأولى كانت الهجوم على السفينة روبي مار، وهي ناقلة بضائع تحمل أسمدة، تم إغراقها بهجوم حوثي، ما أثار مخاوف كبيرة بشأن احتمال تسرب الأسمدة، وحدوث تلوث واسع النطاق، قد يدمر الحياة البحرية في البحر الأحمر.


أما الحادثة الثانية، فكانت الهجوم بالصواريخ والمسيرات على ناقلة النفط، سونيون، ما دفع الطاقم إلى تركها، بعدها، صعد الحوثيون إلى السفينة، وفجروا عبوات ناسفة، وأدى ذلك لقلق بالغ من احتمال تسرب النفط، ما ينتج عنه كارثة بيئية ضخمة.


على الرغم من الإدانات الدولية، واصل الحوثيون شن هجماتهم، ليتخطى عددها بحلول منتصف ديسمبر الحالي 130 هجوما.

تقارير صحافية أرجعت استمرار القرصنة الحوثية، لمكاسب بملايين الدولارات، حصلتها الحركة اليمنية، وبحسب موقع قائمة لويدز البريطاني تشير تقارير إلى أن الحوثيين يكسبون ما يقدر بنحو 180 مليون دولار شهريا، من رسوم العبور غير القانونية، التي يدفعها وكلاء شحن لم يتم الكشف عن أسمائهم لمرور آمن عبر البحر الأحمر. 


وحذرت معلومات استخباراتية صادرة عن مجلس الأمن من سعي الحوثيين لتوسيع قدراتهم العملياتية إلى ما هو أبعد من الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، وذلك من خلال سلسلة من التحالفات تشمل تنظيم القاعدة، وحركة الشباب الصومالية، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وحماس.


أمين عام المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، أرسينيو دومينغيز كشف أن "وضع السلامة البحرية في البحر الأحمر لا يزال في حالة تأهب قصوى، ومن المؤسف استخدام الشحن الدولي كرهينة في موقف لا علاقة لنا به، فهذا يخلق أخطارا إضافية عندما يتعلق الأمر بسلامة الملاحة، أولا، على البحارة الأبرياء الذين يقومون فقط بعملهم في البحر الأحمر، وثانيا، على السفن نفسها، فضلا عن الأضرار البيئية المحتملة".


لم توجع الهجمات الحوثية إلا دولا شقيقة، وأهل اليمن، الذين باتوا يواجهون خطر انقطاع إمدادات الغذاء، بل ويدفعون فاتورة زيادة أسعار السلع والبضائع، إن وجدت، فدوامة مياه البحر الأحمر، التي كونتها الجماعة الإرهابية، ابتلعت السفن وحمولتها، بتسليح إيراني، سبق السابع من أكتوبر 2023، بأعوام، ليتضح أن كل ما قيل عن نصرة غزة، كان مجرد شعارات، للاستهلاك المحلي.