ضربات إسرائيل في صنعاء تضاعف المخاوف المعيشية والأمنية
في لحظة واحدة انقطعت الكهرباء عن العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، وأضاءت الانفجارات العتمة التي خلفها ذلك الانقطاع وكأن الشمس أشرقت قبل موعدها بساعات، في حين استيقظ السكان نتيجة الانفجارات التي دوت شمال المدينة وجنوبها، والتي يقولون إنهم لم يعهدوا مثلها من قبل.
وبعد قرابة 12 ساعة من الغارات الإسرائيلية على محطتي الكهرباء اللتين تغذيان صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية بالطاقة لأوقات محدودة، وبأسعار هي الأغلى في العالم، وفق خبراء؛ عاد التيار الكهربائي إلى بعض الأحياء، بينما كان عدد السكان يبحثون عن بدائل للإضاءة وتشغيل أجهزتهم.
وأثارت الغارات الإسرائيلية على صنعاء قلق اليمنيين من تحول خطر في التصعيد بين تل أبيب والجماعة الحوثية، ينذر بالمعاناة، كما حدث في غزة ولبنان، والمزيد من الأزمات المعيشية والأمنية.
وبمجرد بدء الحركة التجارية (الخميس) شهدت محال بيع أجهزة ومعدات الطاقة الشمسية زحاماً غير معهود، تحسباً لاحتمالية نفادها أو ارتفاع أسعارها، إلا أن ذلك الزحام تراجع كثيراً عند عودة التيار الكهربائي.
يشير عمار سالم، وهو اسم مستعار لموظف في قطاع الكهرباء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية إلى أن غالبية السكان، الذين لجأوا لاستخدام الطاقة الشمسية خلال سنوات الحرب والانقلاب، عادوا للاستفادة من خدمة التيار الكهربائي التي تقدمها الجماعة الانقلابية بعد إعادة تشغيل المحطات التي توقفت. ويتهم الموظف العمومي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الجماعة الحوثية باستغلال حاجة السكان إلى التيار الكهربائي لتشغيل تلك المحطات وبيع الطاقة بأسعار تعدّ بين الأعلى حول العالم، إلى جانب تضييقها على المحطات الخاصة التي كان ظهورها سابقاً لتشغيل المحطات العمومية.
مصير الطاقة
اضطر السكان في صنعاء إلى استخدام التيار الكهربائي رغم ارتفاع أسعاره بسبب عدم قدرة معدات وأجهزة الطاقة الشمسية على تلبية مختلف احتياجاتهم، ومن ذلك تشغيل الثلاجات والسخانات، إلى جانب أن بطاريات الطاقة الشمسية مكلفة جداً وسريعة التلف، بالإضافة إلى أن الأحوال الجوية قد تقلل من سطوع الشمس وتغذية البطاريات في كثير من أوقات السنة.
ويكشف موظف عمومي آخر في قطاع الكهرباء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة الحوثية تبيع الطاقة لليمنيين بأسعار تفوق متوسط الأسعار في مختلف دول العالم. وفي حين لا يزيد سعر الكيلو واط الواحد في دولة مثل فنلندا معروفة باستقرارها الاقتصادي وغلاء المعيشة فيها عن 0.41 دولار، وهو الأعلى في أوروبا؛ تلزم الجماعة الحوثية السكان بدفع 0.44 دولار (230 ريالاً يمنياً) للكيلو واط الواحد، إلى جانب 3.4 دولار كاشتراكات شهرية إجبارية (حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً).
وارتفعت أسعار الكهرباء منذ انقلاب الجماعة الحوثية وسيطرتها على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة قبل 10 أعوام أكثر من 1400 في المائة، إذ لم يتجاوز سعر الكيلو واط الواحد في عام 2014 أكثر من 0.07 دولار ( 16 ريالاً، وكان سعر الدولار حينها 215 ريالاً)، مقابل السعر الحالي.
في غضون ذلك، بات سكان صنعاء وبقية مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يعيشون حالة من القلق والترقب منذ بدء الضربات الأميركية والبريطانية لمواجهة هجمات الجماعة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، كما تصاعدت حالة القلق بعد بدء التصعيد المتبادل بين الجماعة وإسرائيل.
ويرى أكاديمي في جامعة صنعاء أن الجماعة الحوثية ستبذل ما في وسعها لإعادة التيار الكهربائي لتعزيز مزاعمها بقدرتها على إدارة مؤسسات الدولة ومواجهة التصعيد الإسرائيلي، إلى جانب ما يحقق لها قطاع الطاقة من إيرادات تسعى للحفاظ عليها ومضاعفتها.
وبقدر ما ستحاول الجماعة الحفاظ على استمرار التيار الكهربائي، فإنها ستستغل انقطاعه للحصول على تأييد لها، باعتبار أن مواقفها، كانت سبباً في معاقبة السكان المقيمين في مناطق سيطرتها، وفق ما يقوله الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم ذكر اسمه حفاظاً على سلامته.
ويحذر الأكاديمي من احتمالية عودة الانتهاكات تحت مبرر التعاون والتخابر مع إسرائيل والغرب، وهي التهم التي يوفر التصعيد العسكري مجالاً خصباً لها.
مآلات التصعيد
تذهب غالبية التقديرات إلى أن التصعيد بين الجانبين سيستمر، مع فارق أن الجماعة الحوثية تنفذ هجمات تأثيرها التدميري أقل بكثير، أو قد يكون ضئيلاً مقارنة بالغارات الإسرائيلية التي على قلتها، تتسبب بدمار واسع.
وطبقاً للأكاديمي اليمني محمد الحميري، لن تتخلى الجماعة الحوثية عن موقفها ضد إسرائيل، فهي تسعى إلى استغلال كافة المتغيرات والتطورات لصالحها دعائياً، وتتعهد بمراحل متعددة ومتصاعدة من المعركة.
وينوه الحميري، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن التصعيد الحوثي مع إسرائيل يهدف أيضاً إلى إثبات وجود الجماعة وتعزيز نفوذها، ومع الوقت إثبات امتلاكها الكثير من القدرات التي لم تتمكن التحالفات الدولية من القضاء عليها، ما سيعزز من رغبتها في تحقيق المزيد من المكاسب.
ويخشى السكان في مناطق سيطرة الحوثيين من تأثير التصعيد على حياتهم ومعيشتهم، كون غارات الطيران الإسرائيلي مشهورةً بالاستهداف العشوائي والممنهج للأحياء السكنية والمنشآت الحيوية، على عكس الغارات الأميركية - البريطانية المدعومة بمعلومات استخباراتية دقيقة.
وتؤكد نبيلة الكميم، وهي موظفة وربة منزل، أنها بدأت التفكير جدياً بالانتقال من صنعاء إلى أي مدينة خارج سيطرة الجماعة الحوثية، أو على الأقل إلى مسقط رأسها في الريف، خوفاً من التصعيد العسكري مع إسرائيل.
ووفق حديث الكميم لـ«الشرق الأوسط»، فإن المخاوف من التصعيد مع إسرائيل تعود إلى أن هذه الدولة لا تهتم للمدنيين والمنشآت الحيوية والخدمية، ومن غير المستبعد أن توجه غاراتها على السكان الآمنين، كما فعلت في غزة وجنوب لبنان.
غير أن ناشطين حقوقيين أفصحوا لـ«الشرق الأوسط» عن مخاوفهم من أن تستثمر الجماعة الحوثية الضربات الإسرائيلية الأخيرة في تشديد قبضتها الأمنية، وتصعيد انتهاكاتها ضد من يعارضون نفوذها أو من تشكك بولائهم، وحتى ضد ناشطين وإعلاميين وسياسيين، بحجة دعم إسرائيل أو التخابر معها، كما درجت على ذلك خلال السنوات الأخيرة، تحديداً منذ منتصف العام الحالي.
يشار أن المرات الثلاث التي نفذ فيها الطيران الإسرائيلي هجماته على اليمن، في يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، إلى جانب الغارات الأخيرة، فجر الخميس، أصابت الغارات منشآت حيوية في مدينة الحديدة على الساحل الغربي وفي صنعاء، دون أن تشمل مواقع عسكرية أو مخازن أسلحة أو مقرات تدريب.
ويعود ذلك، حسب خبراء عسكريين، إلى أن الجماعة الحوثية عملت خلال الأشهر الماضية على إخفاء أسلحتها في مخابئ جديدة محصنة في مناطق غير مألوفة أو معروفة، بالإضافة إلى أن الأسلحة التي تستخدمها في هجماتها البحرية وضد إسرائيل، يجري تفكيكها ونقلها وإخفاؤها بوسائل مستحدثة، وبعيداً عن المواقع المعروفة.