تقرير: واشنطن أوقفت برنامجا استخباراتيا مع تركيا

المواجهة التركية السورية في إدلب أوقعت خسائر بشرية في صفوف الجيش التركي، ما دفع واشنطن إلى إعلان دعمها لأنقرة عبر وزير الخارجية مايك بومبيو الذي أعرب عن دعم الولايات المتحدة الكامل لإجراءات تركيا الدفاعية عن النفس والمبررة ردا على هجوم قوات الأسد.

لكن في المقابل، أوقفت الولايات المتحدة برنامجا سريا للاستخبارات العسكرية اشتركت فيه مع تركيا، والذي ساهم لسنوات في مساعدة أنقرة على استهداف عناصر ميليشيات حزب لعمال الكردستاني "بي كي كي"، وفقا لما ذكره أربعة مسؤولون أميركيون لرويترز.

وأتى القرار الأميركي بوقف البرنامج إثر العملية العسكرية التي شنتها أنقرة داخل الحدود السورية في أكتوبر، ما يشير إلى مدى الضرر الواقع في العلاقات الأميركية التركية حسب الوكالة.

وقال مسؤولون أميركيون، اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم، إن الولايات المتحدة أوقفت العام الماضي تحليق المهام الاستطلاعية والاستخباراتية المشتركة والتي استهدفت حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره كل من أنقرة وواشنطن منظمة إرهابية.

وكانت القوات الأميركية استخدمت طائرات مسيرة غير مسلحة، قال أحد المسؤولين إن إحداها أطلقت من قاعدة إنجرليك التركية، التي تتضمن وجودا عسكريا ملحوظا للقوات الأميركية، وتعتبر القاعدة أيضا مركزا أساسيا تطلق منه الولايات المتحدة عملياتها الاستخباراتية في المنطقة.

وانطلق العمل ببرنامج الطائرات المسيرة المشترك عام 2007، وكان يتركز عادة في المنطقة الواقعة شمال العراق قرب الحدود التركية، وفقا لما ذكره مسؤول آخر.

ولم يفصح متحدث باسم البنتاغون عن تفاصيل حول البرنامج، وقال لرويترز: "لقد دعمنا تركيا في قتالها ضد بي كي كي في العديد من الوسائل على مر عقود.. لا يمكننا توفير تفاصيل تشغيلية".

وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة لا توفر تعلق على القضايا استخباراتية. ولم يرد مسؤولون في وزارة الدفاع التركية على طلب للتعليق على المعلومات، إلا أن مسؤولا تركيا أكد أن البرنامج قد تم إيقافه.

ويعتبر وقف المساعدة الأميركية اختبارا للقدرات الاستخباراتية التركية في وقت تنتشر فيه قواتها عبر العديد من الجبهات شمالي سوريا، وفي وقت توسع فيها أنقرة تدخلها في ليبيا.

وقال مسؤول أميركي: "هذا سيزيد من تعقيد الحملة ضد بي كي كي وكلفتها بالنسبة لتركيا".

وهذا يعد إضافة أخيرة لسلسلة من الأزمات التي ساهمت في زيادة التوتر بين واشنطن وأنقرة، تضمنت شراء تركيا منظمة صواريخ روسية، وتعميق الخلاف بين الدولتين بالأخص فيما يخص الحرب السورية، وذلك رغم العلاقة القوية التي يبدو أنها تربط بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب إردوغان.

وقال المسؤول التركي: "خلال السنوات الماضية، لم تواجه تركيا معضلة في الحصول على المعلومات التي تحتاجها من الطائرات المسيرة التي تقوم بتصنيعها"، مضيفا "لكن وفي جميع الأحوال، فإن الخطوات التي يتخذها حليف بهذا الشكل، بالتأكيد لا تشير إلى علاقات قوية بين الدولتين".

الخلاف حول سوريا

لطالما شكك ترامب بأهمية الوجود الأميركية في سوريا، وحتى أنه تعرض لانتقاد من قبل الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين، الذين اتهموه بالتنازل عن المقاتلين الأتراك المدعومين من الولايات المتحدة في القتال ضد داعش، وفتح المجال أمام دخول القوات التركية للقضاء عليهم.

واستهدفت العملية التركية، التي عرفت حينها باسم "نبع السلام"، قوات حماية الشعب الكردية التي كانت من أبرز الداعمين للولايات المتحدة في القتال ضد "داعش"، إلا أن تركيا تعتبرها منظمة إرهابية، لا تختلف عن "بي كي كي"، رغم أن السياسة الأميركية رسمت خطا واضحا بين الجهتين، حيث ساعدت تركيا في محاربة عناصر "بي كي كي" رغم أنها عملت عن كثب مع قوات حماية الشعب.

وحاربت قوات "بي كي كي" الدولة التركية عام 1984، مطالبة بالاستقلال في المناطق التي يقطن فيها الأكراد جنوب شرقي البلاد، ومنذ ذلك الوقت، قتل 40 ألف شخص في النزاع. ويشكل الأكراد حوالي 20 في المئة من نسبة السكان في تركيا.

ولطالما استهدفت القوات العسكرية التركية أهدافا داخل إقليم كردستان في العراق قرب موقع تمركز "بي كي كي" في جبال قنديل، كما أنها شنت عمليات خارج حدودها شمالي العراق لاستهداف عناصر الميليشيات التابعة للحزب.

ومنذ نشأة برنامج التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة، قامت أنقرة باستثمار مئات الملايين من الدولارات في تطوير قدراتها الدفاعية والتقليل من اعتمادها على الطائرات المسيرة الأميركية والإسرائيلية، التي استخدمتها مرارا في أواخر التسعينيات.

وشركة "بايكار" الخاصة للأنظمة الدفاعية، التي يمتلكها صهر إردوغان سلجوق بيراقدار، بدأت العمل على تصنيع أول طائرة مسيرة تركية منذ أوائل الألفية، ونجحت خلال عقد ونصف في تطوير طائرات مسيرة مسلحة وغير مسلحة وبدأت ببيعها للجيش التركي إضافة إلى أوكرانيا وقطر.

منذ يوليو 2019، بيعت حوالي 86 طائرة مسيرة من إنتاج شركة "بايكار" لصالح القوات الأمنية التركية وبعضها استخدمت في العمليات التركية الثلاث في سوريا عام 2016 و2018 وآخرها تلك التي شنتها أنقرة في أكتوبر 2019.

ويقول، أرضا ميفلوت أوغلو، المحلل والخبير في الأنظمة الدفاعية، المقيم في تركيا، إن التطورات الأخيرة ساهمت بمنح تركيا المزيد من الحرية والمرونة في قدراتها التشغيلية.