نورا المطيري تكتب نبيل القعيطي.. دماء لم تبرد
يقولون أنني مراوغة، ويقولون أيضا أنني أعمل حسب أجندات معينة، الموضوع أبسط من ذلك بكثير، ولا يحتاج كل ذلك التمحيص والإتهامات، فإما أنك مع الإخوان والجماعات الإرهابية والإسلام السياسي المتشدد، كالقاعدة وداعش وغيرها، وإما أنك تقف في الجانب الآخر، تعلن رأيك بوضوح، أو تصمت، ولن أصمت.
هذه الرسالة، رسالة مكافحة الإرهاب، بأشكاله المختلفة، وما تتضمنه من رسائل فرعية، سواء محاصرة التشدد، أو كشف الولاء الأعمى لقيادة التنظيم ثم للمرشد وللمنهج الموضوع والمحبوك بغرف مظلمة، وكذلك فضح التآمر المدمر، بين قوى الإرهاب المختلفة والداعمين والممولين والموجهين. ليست فرض كفاية، بل فرض عين على الكاتب والمؤسسات الإعلامية، كما هي على الجنود المخلصين تماما.
هل تصبح مراوغا إذا قمت بإعادة نشر أو تأكيد ما يعترف به صراحة من يدعم ويمول الإرهاب؟ قطر مثلا، لا تُخفي أبدا دعمها المطلق، المادي والإعلامي، لإحتلال تركيا لسوريا، وكذلك دعم أردوغان في نقل المرتزقة الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، فكيف تصبح تعمل لأجندات معينة، إذا قمت بنقل هذا الخبر، كما ورد من المجرم الذي إعترف بجريمته للتو؟
الأسبوع الماضي، شهدنا فاجعة كبرى، إمتدت يد الغدر والطغيان الإرهابي لإغتيال الزميل الصحفي نبيل القعيطي في عدن، وهو صحفي يحمل كاميرا ويسجل وقائع حرب، بين الجنوبيين والإخوان الإرهابيين، لم يمسك الراحل المغدور يوما ببندقية أو مدفع، ومع أن كثير من المؤسسات العالمية تطرقت إلى هذه الجريمة البشعة، ومع ذلك، لم نجد مؤسسة عربية واحدة، إعلامية أو غير إعلامية، تدين ذلك العمل الإرهابي..! معقول؟ كيف يصبح الحديث مراوغة، والصمت والتجاهل حكمة؟
جريمة اغتيال نبيل القعيطي، الذي لم تبرد دماءه بعد، هي نموذج حي، على الجنون والتآمر الإرهابي، الذي تنتهجه الجماعات الإرهابية في الجنوب العربي، فلا تفهم مثلا متى وكيف يتآمر الإخوان مع القاعدة وداعش، وكذلك مع الحوثية الإرهابية، وينفذون إجتهادات أمراء الحرب، الذين يجلسون في أنقرة وطهران والدوحة، وحين تتحدث عن ذلك، أو تلمح إليه، وتتساءل عن الإرهابي المجنون الذي قتل نبيل، تقوم القيامة، طبعا قيامة رقمية هشة، لكنهم يحاولون إلحاق الأذى بك، لإجبارك على الصمت.
لا يصمت سوى الجبان الخائف المرتعد. في مواقع التواصل الإجتماعي، كتويتر مثلا، يترصد الإرهابيون كل تغريدة تنتقدهم أو تتطرق إلى أعمالهم، أو تنبه من مخاطرهم، لديهم جيش من الذباب الإلكتروني الإرهابي، يعمل في اتجاهين، من ناحية يروج لأهدافهم وجنونهم وإرهابهم الفكري ومن ناحية اخرى يهاجم كل من يحاول كشفهم وفضح مؤامراتهم. بالطبع، يخاف الناس ذلك الهجوم المبرمج، كتّاب وإعلاميون ومؤسسات إعلامية، يخشون ذبابة إلكترونية عقيمة، أقصى ما لديها هو الشتم والسباب وتوزيع الإتهامات التي يكتبها إرهابي آخر، يجلس مرتاح البال، في وكره الذي يعجّ بالخيانة والمكر.
ليت الذي يقرأ هذا المقال، أن يشرفني بزيارة صفحتي على تويتر، حين أنشر مقطعا منه، ويرى بأم عينه ما يحدث على أرض الواقع، الإفتراضي، حيث يجد ما تم وصفه هنا، بدقة متناهية، لكنه لن يفهم أبدا، سبب مهاجمة ذبابة إلكترونية، لكاتب يتحدث عن جريمة إغتيال صحفي، وتتساءل الذبابة بوقاحة:" إيش دخّل أمك باليمن؟.. هذا نبيل إرهابي..! .. أنتم تنفذون أجندة جزر الواق واق..!"، فيعتقد الإرهابي الذي يكتب كل تلك التعليقات، ثم يذهب لقبض مكافأته، أنه قد أنجز المهمة، وقضى على الحقيقة..!
كيف ننسى صورة نبيل القعيطي وأطفاله الذين تيتموا وصور جميع الأبرياء الذين راحوا ضحية الإرهاب في سوريا وليبيا ومصر والعراق وفلسطين وباريس وفي كل مكان في العالم؟ هل نسي أحد مثلا صورة "محمد الدرة" الذي إغتاله المجرمون في العام 2000، وضح النهار؟.